الجوع جريمة

   تحت صفحة السماء المشرقة، كانت تعيش امرأة نقيّة السريرة، ذكيَّة نشيطة، والله الذي يرعاها من العلى بنظرة رحيمة، جعلها سعيدة مغتبطة متواضعة، ولها زوج عامل.

   ثم مرّت بها الكوليرا فخطفت الزوج، وغدت الأرملة ببؤسها وأطفالها الأربعة مكبّة على العمل بهمَّة وعزم كالرجل. إنّها مدبّرة، قادرة، يقظة، مقتّرة، وهي لا تشكو ولا تتذمّر.

إنّها ترفو الجوارب العتيقة، وتنسج المفارش الرقيقة، تخيّط وتغزل وتمضي الليالي دؤوبًا، لكي تُطعم أطفالها، فهي أمّ محبَّة رؤوم.

   وفي ذات يوم، شوهدت في بيتها ميّتة من الجوع.

   أجل، الأحراش مليئة بالعنادل.

   والمطارق الثقيلة تدقّ على وهج الكور.

   والحفلات الراقصة المقنّعة، تزخر بها المدينة.

   والجميع يعيشون: فالتجّار يحسبون مبالغهم الموفورة، وكركرة العجلات تتناهى، وقهقهات الرجال تتعالى!  

   ومن خَلل غوغاء هذا المرح، وبهرة الضجيج وشعشعة الأنوار، كانت المرأة وحيدة في عقر كوخها، حيث نشط الجوع، وتسلّل إلى الداخل بخطواته المروّعة هزيلًا شرسًا، فانهال عليها بدون جلبة، وقيّدها من الحلقوم وقضى عليها من ساعته.

   يا الهي! الطعام كثير على الأرض، فهو في أطراف النبات وفي العشب والفواكه والسنابل المتدفّقة.

  وبينما يعيش الجميع تحت رحمتك يا ربّي

  فتهتدي النحلة إلى وريقة الكافور الشذيّة

  ويعطي الغدير شرابًا رَواء للعصافير

  ويغذّي القبر العقبان والنسور

  والطبيعة في أعماقها الموهِبة لابن آوى والجرذان أطيب الغذاء.

   يموت الإنسان! أوّاه! الجوع هو الجريمة العامّة، إنّه الانتحار الأعظم الذي يخرج من ظلماتنا.

الهي! لِمَ هذا اليتيم في أسماله المحزنة؟ وهو يتمتم إنّني جائع! أليس الطفل كالعصفور؟ إذًا، لماذا يفتقر المهد إلى ما يتمتّع به عشّ الطيور؟

                      فكتورهوغو – ترجمة ضياء الشماع -

                                      بغداد